بين التخطيط والعشوائية (2)



مفارقات


بين التخطيط والعشوائية (2)






أ.د. صلاح الدين سلــــطــان


المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مملكة البحرين


عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


عضو مجلس أمناء رابطة أهل السنة


عضو المجالس الفقهية فى أوربا وأمريكا والهند














التخطيط  أن يقوم الفرد باكتشاف ملكاته دون تورم أو جلد الذات، ثم توظيف هذه الملكات الربانية في فعل الخير ونفع الغير ليَسعد ويُسعد العالم من حوله، والعشوائية أن يعيش الإنسان كالثور الهائج يتحرك على غير هدى ولا يعرف ماذا يفعل اليوم أو غدا.


التخطيط أن تضع نفسك فيما تحسنه فقط، فلا تقبل وظيفة مهما كانت مرموقة إلا إذا كنت تدرك أنها تتطابق مع رغباتك وقدراتك وإلا كانت الوظيفة طريقًا إلى إذلالك؛ لما ورد في الحديث النبوي: (ما ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه...... أن يحمل نفسه ما لا يطيق) (رواه الترمذي بسند صحيح)، والعشوائية أن تقبل كل ما يُسند إليك على أنه تشريف لا يجوز التراجع عنه، لكنك تكتشف بعد حين أنه تزييف، وحرمانُ صاحبِ حق في هذا التوظيف.


التخطيط أن تعرف ماذا يجب أن تعمل من اليوم إلى خمس أو عشر أو عشرين عامًا، وتسعى بكل دقة وهمة لتحقيق خطة واضحة المعالم، والعشوائية أن تكون كالحجر في اليم، أو الريشة في الهواء، أو "الأطرش في الزفة"، كما قال تعالى عن المقلدين: ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) (الزخرف:23) .


التخطيط أن تعرف ماذا تقرأ وماذا تترك؟ فإذا قرأت كتابًا فليكن ذلك مرتين مرة لمعرفة الفكرة العامة وأخرى معرفة التفاصيل والأفكار الكلية والجزئية، يقول العقاد: "لأن أقرأ كتابًا مرتين خير لي من أن أقرأ كتابين"؛ لتكون المعلومات سلاسل كالعناقيد آخذُ بعضها بزمام بعض، وتذكِّر الكليات بالجزئيات.  والعشوائية أن تقرأ دون وعي وأن تلتقط صفحات وتترك أخرى وأن تستمع إلى جزء من المحاضرات وتنصرف عن الباقي، وأن تكون المعلومات في العقل كالجزر المنعزلة التي ليس بينها رابط من الجسور!.


التخطيط أن تجد شوارع القرية والمدينة تمتد أميالاً طويلة، والمساكن في أماكن هادئة، والورش والمصانع والمحلات في أماكن أخرى، والعشوائية أن تجد شوارعنا قصيرة، ومنازلنا مبعثرة على أشكال متناقضة، وتختلط المحلات والورش مع البيوتات .


التخطيط في الدولة أن تكون لديها خطة معروفة للقادة والشعوب وتحدٍ واضح خلال خطة سنوية وخمسية وعشرية، يسعى الجميع إلى إنجازها من خلال فريق عمل متجانس أو متقارب، والعشوائية: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ) (الأعراف:38)، وشركاء متشاكسون كلٌّ يعمل برأيه، وكل واحد "عقله في رأسه يعرف خلاصه".


إنجاز قليل مع التخطيط على زمن طويل خير من إنجاز كثير مع عشوائية في التفكير فإن شقة صغيرة منسقة خير من أجزاء وحطام عمارة كبيرة مبعثرة.




جميع الحقوق محفوظة © 2013 آماني الروح