بقلم الأخ / خالد الشافعى
روى مسلم عن على ابن أبى طالب أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها ، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي ، فذهبت فاطمة تطلب من النبى صلى الله عليه وسلم خادماً ، فقال : ألا أعلمكما خيراً مما سألتما ، إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين ، وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين ، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم ، قال علي رضى الله تعالى عنه : ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ، قيل له : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين .
يا له من سؤال عظيم المغزى ، ويالها من إجابة حاسمة ، إجابة تلخص فى عبقرية مدهشة الفارق العظيم بين جيل الصحابة وكل من جاء بعدهم ، نعم ، إذا أردت أن تضع يدك على كلمة السر فى حياة هذا الجيل فدونك هذا الأثر الرهيب ، منذ سمع على رضى الله تعالى عنه نصيحة النبى صلى الله عليه وسلم ، وعاها ، وحفظها ثم لم يتركها قط حتى ولا ليلة صفين ، وما أدراكم ما ليلة صفين ، آوى على رضى الله تعالى عنه إلى فراشه بعد يوم دام ، وقتال منهك ، وضغط عصبى يفوق احتمال العماليق ، كيف لا ، وهو خليفة المسلمين الذى يرى بعينيه أفضل الخلق بعد الأنبياء يقتل بعضهم بعضاً ، يرى على بن أبى طالب مصارع الأحباب والأصحاب ، والدولة فى مهب الريح ، ثم يأوى إلى فراشه فى نهاية اليوم ، يحمل كل هذا الهم ، والحزن ، ومع ذلك ويا للعجب ـ أقصى أقصى عجب ـ إى والله ، يحمل كل هذا ، ومع ذلك فحين ألقى بجسده المنهك لم ينس وصية رسول الله ، لم ينس الطاعة التى تعلمها ، نعم لم ينسها حتى ولا ليلة صفين ، تعرفون لماذا إنه منهج التلقى وهو من أعاجيب هذا الجيل وسنفرد له مقالة خاصة إن شاء الله ، المهم هذه هى حكاية : ولا ليلة صفين ، وهى ذاتها حكاية ما بعد رمضان ، حكاية الثبات على الطاعة ، الثبات إلى الممات .
حكاية رمضان باختصار أن الله عز وجل يعلم ضعفى أمام أعدائى الثلاثة : نفسى وشياطين الإنس ، وشياطين الجن ، ويعلم سبحانه أنهم حققوا فى جولاتهم معى إنتصارات تاريخية ، وأن حالى معهم هو انكسارات لا تنتهى ، ، جعل الله ختام سنة الأعمال فى شعبان ، والكثير منا تصعد كشوف حسابه بالسالب ، يعلم سبحانه أننى أحتاج إلى فرصة لالتقاط الأنفاس ، وقفاً لإطلاق النار ، هدنة أحاول فيها أن أبدأ من جديد وأعد لهم ما استطعت ، أحتاج فى بداية سنة الأعمال إلى دفعة قوية أبتعد به عن هؤلاء الأعداء ، أحتاج إلى مركز تدريب أولد فيه من جديد ، إن كثيرا من الناس عندهم حكايات عن فترة مركز التدريب فى الجيش وكيف أنه دخله ( فرفوراً) لا ينام إلا على فراشه ، ولا يأكل إلا طعاماً معيناً ، فلما دخل مركز التدريب أكل الزلط وشرب الماء العكر ونام واقفاً ، هذا هو رمضان بالضبط تدخل إليه والشياطين مصفدة ونفسك ضعيفة وشياطين الإنس ، كذلك يمنع عنك الطعام والشراب وتؤمر بالصبر وكظم الغيظ وغض البصر وقيام الليل وتلاوة القرآن ، تؤمر بالجوع ساعات طويلة وأنت الذى لم يكن يصبر على الجوع ساعة ، ولا تكاد تترك كوب الماء من يدك ، وتعشق المياه الغازية ، كان يصعب عليك صيام النوافل ولو قليلاً فإذا بك تصوم شهرا ، تدخل إلى رمضان لا تكاد تختم القرآن فى السنة مرة ويصعب عليك المحافظة على ورد تلاوة يومى فإذا بك فى رمضان لا تكاد تترك مصحفك ، تدخل إلى رمضان وأنت تتكاسل عن صلاة الوتر كل ليلة ولو ركعة فإذا بك تصلى كل يوم إحدى عشر ركعة تقوم به الليل ، إنه مركز تدريب ولا أروع ، ومعسكر بطولات حقيقى ، إنها بداية مثالية لتنطلق إنطلاقة عمرك وتكتب تاريخ نجاتك وتضع حداً لزمان الهزائم وأيام المهانة كى تصعد منصة تتويج حقيقية وتحقق فوزاَ له قيمة ، إذن خرجت من رمضان وقد تمكنت من الحصول على مكتسبات هامة وفارقة وارتقيت فى سلم الطاعة درجات وابتعدت عن أعدائك فراسخ ، فقل لى بالله عليك كيف يهون عليك كل هذا فتعود أدراجك وتنكص على عقبيك فتهجر المصحف وتدع الجماعات وتخاصم المساجد وتترك قيام الليل ولا تصوم إلا رمضان التالى ، كيف يمكن لعاقل أن يتخلى عن قمة بلغها بعد عناء ونصب ، كيف يمكن لعاقل أن يعطى لخصومه الفرصة ليأسروه بعد أن ذاق حلاوى الحرية ولذة الطاعة وطعم الإنتصار
إياك أخى الحبيب أن تضحى بشىء من مكتسبات رمضان ، إياك أن تتخلى عن سنتيمتر واحد من الأرض الجديدة التى وصلت إليها ، إياك أن تترك شيئاً من طاعاتك لربك ولا ليلة صفين .