مفارقات
بين التخطيط والعشوائية (1)
أ.د. صلاح الدين سلــــطــان
المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مملكة البحرين
عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
عضو مجلس أمناء رابطة أهل السنة
عضو المجالس الفقهية فى أوربا وأمريكا والهند
التخطيط أن تتدبر أمرك اليوم وغدًا، لقوله تعالى: ( لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) (البقرة: 219-220)، والعشوائية أن تقول: "نحن أولاد النهارده"، أو كما ذكر الله تعالى عن الدهريين: ( وقالوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) (الجاثية:24) .
التخطيط أن تحضِّر للقاء الله تعالى يوم القيامة لتجيب عن أربع: "العمر، الشباب، المال، العلم"، والعشوائية أن تعيش كالسوائم: ( إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا) (النبأ:27).
التخطيط أن تقرأ القرآن من أوله، آية آية وسورة سورة حتى تصل إلى آخره، والعشوائية أن تفتح المصحف كل مرة حيثما تعبث أصابعك . التخطيط أن تعيش مع القرآن بالعقل تدبرًا، وبالقلب تأثرًا، وبالنفس تغيرًا، فمرة تختم القرآن مع معرفة معنى كل كلمة صعبة (غريب القرآن)، وثانية مع أسباب النزول، وثالثة مع الأحكام الفقهية، ورابعة مع المعاني التربوية، وأخرى مع منهجيات إصلاح أوضاعنا الحالية، والعشوائية أن تقرأ القرآن بلسان كسول، وعقل مشغول، وقلب قاسٍ، ونفس تشبَّعت بالهوى والأعراف الفاسدة .
التخطيط أن تجهِّز لكل لقاء عناصره الأساسية، وكيفية مواجهة العوارض المحتملة بعدد من الحلول المناسبة، والعشوائية أن تذهب خالي الوفاض، صفر الأفكار، تشارك في كل حوار بسطحية تحسب معها أنك أعلم أهل الأرض، أما العوارض "فوقتها يحلها ألف حلاَّل" .
التخطيط أن تحفر في الأرض، وتنحت في الصخر لتصنع مستقبلك دون الاعتماد على أحد سوى الله توكلاً لا تواكلاً:
ما حك جلدك مثل ظفرك فتولَّ أنت جميع أمرك
والعشوائية أن تنتظر من القريب والغريب أن يحل لنا الأزمات، وأن يكون وليّ أمرنا في النقير والقطمير، فنظل ننتظر كل انتخابات أمريكية أو إسرائيلية لعلها أن تجود بفارس الأحلام الذي يكون مثل الجن أو الشيطان: "شبيك لبيك محسوبك بين إيديك" .
ألا فلنسعَ إلى التخطيط على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة الذي ينقلنا من هزال الاستهلاك وذل الاستجداء، إلى قوة الإنتاج وعزة الاستغناء، ولندَعْ هذه العشوائية في الأفكار والأقوال والأفعال الذي جعلنا في ذيل الأمم، لو قبلت أن يكون لها ذيل مريض!.
