مفارقات
بين العولمة والعالمية
أ.د. صلاح الدين سلــــطــان
المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مملكة البحرين
عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
عضو مجلس أمناء رابطة أهل السنة
عضو المجالس الفقهية فى أوربا وأمريكا والهند
بين العولمة والعالمية 1
العولمة لا وجود لها في معاجم لغتنا العربية الغزيرة،بينما وردت العالمية في القرآن العظيم ثلاثا وسبعين مرة.العولمة كما عرفها جيرالد بوكسبرغر وهارالد كليمنتا في كتابهما الكذبات العشر للعولمة بأنها هي تخليج العالم وتفكيكه وبناؤه من جديد على الطريقة الأمريكية، أما العالمية فهي هداية العالم إلى سعادته في الدنيا والآخرة،وفق منهج الله تعالى، العولمة أشاعت في العالم أكبر تجارة ومافيا في العالم للجنس والمخدرات والسلاح، أما العالمية فقد أشاعت في العالم الرحمة،فيردد كل مسلم العالمية 30مرة يوميا في الفاتحة في 30 ركعة (سنن وفرائض) محاطة بالرحمة مائه وعشرين مرة،فيتربى المسلم على الرحمة بكل ذي كبد رطبة،لكن العولمة لا تعرف الرحمة بالغلابة من العمال الكادحين، والفقراء والمساكين، وحولت العالم إلي أغنياء فاحشين وفقراء مدقعين، فيملك 450 شخصا 60% من ثروات العالم،بينما يعيش 3مليار في العالم تحت حزام الفقر الشديد، حيث دخل كل واحد يقل عن 2 دولار في اليوم، في الوقت الذي تُدخل العولمة على حسابات هؤلاء القراصنة الجدد(أقطاب العولمة) عشرات الملايين في اليوم الواحد، بل من أهداف العولمة إفقار الآخر كما جاء في كتاب "عولمة الفقر" لميشيل تشوسودوميسكي كيف صنعت أمريكا الفقر في العالم سواء في أفريقيا أو جنوب الصحراء أو جنوب أسيا وجنوبها الشرقي وبنجلاديش وأمريكا اللاتينية والاتحاد السوفيتي والبلقان ، وقد طرح الكاتب أحداثاً ووثائق يقينية كيف تبنت أمريكا إفقار العالم عن طريق صندوق النقد الدولي ، وتحرير التجارة ، والبنك الدولي ، والمضاربات ،"وكان مجموع الديون طويلة الأجل على الدولة النامية عام 1970 حوالي 62 مليار دولار ، وزادت سبع مرات فوصلت إلى 480 مليار دولار سنة 1980 ، ثم زادت 32 مرة لتصبح 2000 مليار دولار سنة 1996...والآن تضاعفت هذه الأرقام مئات المرات لكي يركع العالم تحت القدم الأمريكي المفعم بالظلم، أما العالمية الإسلامية فتحارب أن يكون المال دولة بين الأغنياء فقط بفرائض شرعية على كل مسلم بتحريم الربا وأداء الزكاة والصدقات،بتحريم الكنز والاحتكار وتشجيع المنافسة والاستثمار،والميراث والوصية والوقف، وأنه ليس منا من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به , بل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول لو أن دابة عثرت رجلها في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لم َلمْ تسوِّ لها الطريق يا عمر؟، ألا ما أسعد الدواب بعالمية الإسلام ، وأتعس الإنسان بعولمة أميركا.
بين العولمة والعالمية 2
العولمة نزعة أمريكية للتسلط على العالم ليتحول الكل إلى عبيد ملتصقين بالأرض يلعقون قدم العم سام، والعالمية الإسلامية تحرير للإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،لا يخفضون رؤوسهم إلا للرحمن. العولمة خلود إلى الأرض، وتسابق نحو الثراء الفاحش وسعي لتزيين الدنيا فقط، والعالمية إنقاذ للبشرية من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، العولمة تتبنى فلسفة أن الله له الخلق ولهم الأمر، ويفصلون بين الربوبية والألوهية، فيحلون ما حرم الله من شذوذ وزنا، وخمر وربا، واحتلال وظلم وطغيان، واحتكار واستغلال، ما دامت الأغلبية النيابية أو الشعبية تريد ذلك، والعالمية الإسلامية تجعل لله وحده الخلق والأمر معا، فلا يجوز لمسلم حاكما أو محكوما، برلمانيا أو حزبيا أن يناقش أمرا فرضه أو حرمه الله؛ فلا يسعهم إلا حسن الإتباع مع النص وروعة الإبداع مع العقل. العولمة جعلت من العالم كأنه عُلبة واحدة يحركها المارد الأمريكي بال"ريموت" وهو قابع في البيت الأسود من المظالم الرهيبة وكأن الرشد وحده في العقل الأمريكي، والعالمية نور يرسله الله للعباد الراشدين يجعلهم يتحركون طواعية نحو عزهم ومجدهم وعمارة أرضهم والإحسان إلى كل ذي كبد رطبة من إنسان أو حيوان أو طير. العولمة اختصرت الطريق إلى الدول عن طريق العملاء المباشرين وغير المباشرين من "المطبلين" للمشروع الأمريكي، والخضوع لإملاءاته و إلا صار أمرنا مثل شاه إيران وصدام و شاوشيسكو وماركوس و... ، لكن العالمية الإسلامية صنعت دعاة على بصيرة يتحركون رغبة في رضا الله والجنة، وعمارة الأرض بتعاليم القرآن والسنة، وهو الأمر الذي جعل من رعاة الغنم قادة الأمم، ومن البدو الرحل إلى حملة رسالة وأصحاب أمانة ، يفدون دينهم وأوطانهم بأرواحهم ، وليس مثل أتباع العولمة يبيعون العرض والأرض والوطن لمن يدفع أكثر.
نحن في مرحلة لابد من وضوح{ ........ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}الأنعام 55) من الذين أغرقوا بلادنا الإسلامية بمخلفات العولمة من التحلل والأنانية والفسوق ولم يجلبوا النافع من الإنتاجية والحرية واحترام الإنسان بعد تنقيتها من خلال مصفاة الشريعة أولا والأصول والأعراف الاجتماعية ثانيا و أولويات ابن البلد أخيرا وبعد التنقية الحتمية والضرورية يأتي التطوير والتنمية وفق أصول العالمية الإسلامية.
