لا شيء أكثر ضلالا، ولا أعظم خسرانا، ولا أشد ألمًا وعذابا،
ولا أكبر مصيبة وغبنا، من ظن المبطل أنه محق،
وظن المخطئ أنه مصيب، وظن الضال أنه مهتد؛
يحفر في الماء وهو يظن أنه يحفر في التراب،
وينقش على الرمل وهو يظن أنه ينقش على الصخر،
فيتعب بلا فائدة، ويسعى بلا أجر، ويعمل بلا مقابل،
بل ربما ارتد عليه باطله وخطئوه فأخذ به، وحوسب عليه،
وعذب بسببه، وحينها لا ينفعه حسن القصد في الباطل،
ولا صدق النية في الخطأ؛
فإن الباطل والخطأ لا يتحولان بحسن القصد إلى حق وصواب.
قال الله تعالى فيمن حسن قصده وساء عمله :
{ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }
وبهذا ندرك أهمية الهداية، وخطر الغواية،
ونعلم لم نقرأ في كل ركعة نصليها :
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ }
إن أخطر شيء على العبد أن ينقلب قلبه،
وينتكس فهمه فيرى سوء العمل حسنا، ويرى الباطل حقا،
والضلال هدى، والخطأ صوابا.
إن هذا هو أحط دركات الجهالة، وهو أشد أنواع الخذلان،
وهو أفدح الخسران.
وكل عامل من الناس سواء كان عمله متعلقا بالدنيا أم بالآخرة
قد زين له عمله؛ ولذا توزع الناس على أعمال الدنيا ففيهم
الزارع والصانع والخابز والناسج ونحوهم،
وتوزعوا على الديانات والأفكار سواء ما كان منها حقا أم باطلا،
فلكل دين حملته وعُبَّاده ودعاته، ولكل فكرة روادها ومروجوها.
وفي هذا يقول الله تعالى :
{ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ
ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
وهذا يشمل الحق والباطل، والصواب والخطأ؛
فإنه مزين لصاحبه بأسباب أتاها، وأفعال فعلها.
وهو تزيين من الله تعالى؛ فإن الصادق معه سبحانه، الباحث عن الحق،
المتجرد من الهوى يوفقه الله تعالى للحق والصواب،
ويحبب له الخير، ويُكَرِّه له الشر؛ فيتبع الرسل، ويأخذ عن العلماء،
ويقبل نصح المؤمنين.
قال الله تعالى في هذا الصنف :
{ وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ
وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ }