نفحــــــة يوم الجمعة

۩ نفحــــــة يوم الجمعة ۩
مصطفى لطفى المنفلوطى




إن السعادة في الدنيا ما هى إلا لمحات البرق تخفق حيناً بعد حين في ظلمات الشقاء ؛ فمن لا يرى تلك الظلمات لا يراها .
وإن الألم هو الينبوع الذي تتفجر منه جميع عواطف الخير





والإحسان في الأرض ،وهو الصلة الكبرى بين أفراد المجتمع الإنساني ،والجامعة الوحيدة التي تجمع بين طبقاته وأجناسه ؛ بل هو معنى الإنسانية ،وروحها ،وجوهرها ،فمن حرم ،حرم كل فضيلة من فضائل النفس ،وكل مكرمة من مكرماتها ، وأصبح بالصخرة الصلدة أشبه منه بالإنسان الناطق .


وأشقى الأشقياء أولئك المترفون الناعمون الذين يوافيهم الدهر بجميع لذائذهم ومشتهياتهم ،فلا يزالون ينعمون فيها ، ويتقبلون في جنباتها ،حتى يستنفدوها ، فيستولي على عقولهم مرض السآمة والضجر ،فيتألّمون من الراحة أكثر مما يتألم التعب من التعب ، ويقاسون من عذاب الوجود أكثر مما يقاسي المحروم من عذاب الحرمان ؛ وقد تدفعهم تلك الحالة إلى الإلمام بمشتهيات غريبة لا تتفق مع الطبيعة البشرية ،ولا تدخل تحت حكمها تفريجاً عن كربتهم ، وتنفيساً عن أنفسهم ، وماهؤلا المساكين الذين نراهم سهارى طوال لياليهم في ملاعب القمار ، ومجالس الشراب ، ومواقف الرهان ، إلا جماعة الفارين من سجون السآمة والملل ؛يعالجون الداء بالداء ،ويفرون من الموت إلى الموت .
جميع الحقوق محفوظة © 2013 آماني الروح